كل إن استطعت, وزد حتى تشبع

يقول الله تعالى في سورة الحجرات والتي تسمى أحيانا بسورة الأخلاق

“ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه”

  من لم يسمع عن الغيبة سوى هذه الاية لكفته

وصف شنيع وصفه الله تعالى اؤلئك المغتابون. كان من الممكن أن يقول الله تعالى (أيحب أحدكم أن يكل لحم حيوانا ميتا) وكفى بذلك شناعة. وكان من الممكن أن يقول (أيحب أحدكم أن يكل لحم بني ادم حيا) وكفى بأكل لحم انسانا حيا شناعة. وإذا كان أكل لحم انسان غريب شيء بشع شنيع فكان الممكن أن يزيد الله الوصف بشاعة فيقول (أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه حيا). لكن أبى الله الحكيم الخبير الا ان يصف المغتابون بأسوأ الاوصاف فوصفهم بأكل لحم الاخ الميت فقال تعالى “أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا” ا

دعنا نتخيل انسان ينبش قبر أخيه من أمه وأبيه. نبش قبره لا ليحضنه, او يقبله,  بل نبش قبره لانه يكرهه. نبش قبره لياكل من لحمه كرها وحقدا وغلا

هذا الشخص المريض الذي فقد كل انسانيته هو انا وانت عندما نغتاب. نعم, لا نختلف عنه شيئ. وهذا ليس وصفا تعبيريا خياليا انما حقيقة!ّ لذلك قال الرسول عليه الصلاة والسلام عندما رأى شخصان قد اغتابوا: “مالي أرى خضرة اللحم في أفواهكم؟” قالا يا رسول الله والله ما تناولنا يومنا هذا لحما. قال عليه الصلاة والسلام “بل ظللتم تأكلون لحم سليمان” ا

 لم يترك لنا الله تعالى عذرا للغيبة. لا تستطيع أن تغتاب عاصي. لا تستطيعي أن تغتابي زانية. لا تستطيع أن تغتاب شارب خمر. لا تستطيعي أن تغتابي مرابية. لا تسطيع أن تغتاب ولا تستطيعين أن تغتابي!!!ا

 المرة القادمة عندما تغتاب أخيك أو أختك أرجوك استطعم دم أخيك في فمك, استطعم لحمه النيء في فمك. استطعم مرارته, غضاضته, كراهته ثم بعد أن تمتلئ بطنك بلحمه اسمع قول المولى “قذوقوا فلن نزيدكم الا عذابا” واعلم يقينا ان هذا مصيرك

مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم ـ ليلة عرج به ـ بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، قال: فقلت: “من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم”

وما أبرئ نفسي

تتجلى أسمى اخلاق سيدنا يوسف عليه السلام في هذه الآية: 
“وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ”
قال يوسف ﷺ هذه الجملة بعد أن ثبتت براءته  وقالت النسوة “حاش لله ما علمنا عليه من سوء”. في موقف النصر والبراءة يوسف عليه السلام لا يدعي الكمال بل يقول “وما أبرئ نفسي ان النفس لأَمَّارَة بالسوء”
نحتاج في حياتنا إلى هذا التواضع. يعمل أحدنا العمل الصالح، يصلي في المسجد، أو يحفظ من القران، ثم ما يلبث أن يصيبه العجب. فيحتقر كل من حوله، يصنف هذا إلى النار وهذا إلى الجنة. أما يوسف فيعلم أن الهداية بيد الله، يعلم أننا في حرب مستمرة مع أنفسنا. حرب مستمرة اقتضت أن نقول كل يوم في كل ركعة “اهدنا الصراط المستقيم”
ما أجمل التواضع في وقت النصر والعزة
اسأل الله ان يزيدنا تواضعا وأن يهدينا ويثبتنا على دينه